قد يكون السؤال: من المسؤول عن البيئة؟ من البديهيات عند الكثيرين، بخاصة بعد تنامي الوعي البيئي نتيجة الثقافة أو نتيجة الأحداث والتهديدات البيئية التي تعصف بكوكبنا، لكن لابد من التذكير للمؤمنين والغافلين من خلال سؤال العصف الذهني هذا.
في المقدمة ماذا نقصد بالبيئة؟ هناك عدة تعاريف للبيئة لكن في مجملها تصب في الكلام التالي: هي الوسط الحيوي أو المكان الذي يعيش فيه الكائن الحي ويؤثر به أو يتأثر به، وقد يكون هذا الوسط الحيوي هواء أو ماء أو تربة.
وهنا أقصد بالكائن الحي أي كائن حي (إنسان أو حيوان أو نبات). لذلك الكل مَعني والكل متشارك والكل إن حصل ضرر متأثر ومتضرر.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة:«مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ».
هذه الآية فسرها علماء الدين والمفسرون كثيراً ولكني أحب أن أتوسع بها وآخذها من منطلق علمي وبيئي كي أصل بالقارئ الكريم إلى ربط ما ورد فيها بإفساد البيئة أو إحيائها، فالنفس هنا، بحسب فهمي لها، هي نفس كل الكائنات الحية وليس بالضرورة النفس البشرية فقط.
وفق هذا المفهوم، نرى أن ما يحدث من إفساد وتدمير للأوساط الحيوية البيئية بسبب الأنشطة البشرية نجم عنه تهديد لأكثر من 30 ألف نوع من النباتات والحيوانات المهددة بالانقراض بحسب معلومات اتفاقية «سايتس» المعنية بهذه الحيوانات البرية. كما أن المناخ تغير بشكل جعل مخاطر ارتفاع مناسيب المحيطات والبحار قد تصل إلى حوالي مترين في العام 2050 ما سيسبب اختفاء العديد من الجزر والمدن الشاطئية منها الإسكندرية المصرية.
كما أن تغيير المناخ والاحتباس الحراري بسبب تراكم الغازات المسببة من أكاسيد الكربون والنتروجين أصبحا مؤثرين على الأرض والمياه والأنواء الجوية أشد إيلاماً.
وبعد مماطلات وتسويفات من الدول السبع الكبرى التي تسهم بنسبة ما يقارب 62.4% (أمريكا 26.% والصين 10.7% وروسيا 7.3% وألمانيا 6% وبريطانيا 5.4% واليابان 4%والهند 3%) توصلت 195 دولة في اجتماع الأطراف الحادي عشر COP21 في باريس في 12 من ديسمبر/‏كانون الأول 2015 إلى اتفاق على الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض بأقل من درجتين مئويتين وبذل المزيد من الجهود من أجل ألا يتعدى الارتفاع درجة ونصف الدرجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وفيما يخص التمويل للمناخ، إقرار مبلغ 100 مليار دولار سنويا للبلدان النامية بحلول عام 2020، مع الالتزام بالمزيد من التمويل في المستقبل. وهذا يعني ألا تساهم الدول النامية بأية مبالغ نقدية، وإنما الدول المتقدمة هي من ستتحمل الفاتورة.
وهذا الاتفاق والى حين البدء بالتطبيق والالتزام التام لكل الأطراف يعتبر تاريخياً.
من ناحية أخرى هناك إسراف في استهلاك الطاقة والمياه والموارد الحيوية على مستوى العالم بشكل شديد، فغدت البصمة البيئية في أسوأ حالاتها بالرغم من اتخاذ العديد من دول العالم المتهمة بارتفاع بصمتها البيئية عن المعدل العالمي البالغ 1.8 هكتار كوني بحسب إحصائيات عام 2012 بعد أن كان 1.6 هكتار كوني في العام 2007.وهذا الأمر يتعلق مباشرة بطبيعة استهلاك الأفراد ومستواهم المعيشي.
وهناك تدمير للمدن والبنى التحتية وكل مرافق أسباب الحياة بسبب الحروب التي تشهدها بعض دول العالم أو الهجمات الإرهابية ما سبب قتل وتدمير وهجرة الملايين من مناطقهم إلى دول ومناطق لجوء في غالبيتها لا توفر الموائل الصحية ما سبب انتشاراً للكثير من الأمراض.
هذا غيض من فيض والمجال لا يتسع لاستعراض باقي التحديات، ولكنني أوردت هذه الأمثلة كي أنطلق إلى الموضوع المهم: من يتحمل المسؤولية في كل ذلك؟ لا يمكن إعفاء أي شخص أو هيئة أو حكومة من المسؤولية، لأن في العرف والقوانين البيئية هناك حدود للمسؤولية في المرافق الحيوية للبيئة، فالأرض مسؤوليتها تقع على الدول نفسها ضمن حدودها ما عدا الكوارث التي قد تتعرض لها منشآت (محطات الطاقة النووية مثلاً) أو الكوارث الطبيعية، فهذه مسؤولية عالمية كما هي الحال في الوسطين الحيويين الآخرين، فالمسؤولية دولية متضامنة تحتاج إلى جهود الجميع.
وللأفراد دور كبير، في جعل البيئة مستدامة تخدم المستقبل، حيث تسبب الاستهلاك المسرف في الطاقة والمياه والإنتاج العالي للنفايات بمختلف أنواعها وأشكالها في تهديد الموارد الطبيعية وتدهور البيئة سواء الداخلية أو الخارجية.
المطلوب دق نواقيس الخطر وتكثيف حملات التوعية واستخدام كل الوسائل وجهود الجميع من حكومات ومنظمات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام والمدارس وأهم من كل هذا وذاك الأسرة نفسها ورجال الدين.
إن الأرض أمانة الخالق للإنسان كي يستفيد منها بقدر احتياجه من دون إسراف وحماية التوازن الذي أوجده الله سبحانه وتعالى على الكوكب وفي الغلاف الفضائي المحيط به.
وعلى الإنسان الحفاظ على الأمانة مصونة صالحة وإلا تحمل عقوبة الإسراف.
د. داود حسن كاظم
خبير بيئي وزراعي