تعودنا في بلدنا، دولة الإمارات العربية المتحدة، أن نتكلم عن المشاريع الكبرى والضخمة الطموحة وعن الصناعات والمبادرات والأفكار الاستراتيجية التي تجاري الدول الكبرى، ومنها ما لم يسبقنا بها أحد. ولكن ماذا عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة؟ وهل إن الانشغال بالمشاريع الكبيرة قلل من الاهتمام بهذه المشاريع؟

إن مصطلح المشروعات الصغيرة مصطلح واسع انتشر استخدامه مؤخراً، ويشمل هذا المصطلح الأنشطة التي تتراوح بين من يعمل لحسابه الخاص أو في منشأة صغيرة تستخدم عدداً معيناً من العمال، ولا يقتصر هذا المصطلح على منشآت القطاع الخاص وملاكها وأصحاب الأعمال والمستخدمين، ولكنه يشمل كذلك التعاونيات ومجموعات الإنتاج الأسرية أو المنزلية.

وهناك تعريفات عديدة لهذا المصطلح لكن معظم الدول تعتمد تعريف منظمة العمل الدولية التي تعرف المشاريع الصغيرة بأنها المشاريع التي يعمل بها أقل من 10 عمال، والمشاريع المتوسطة التي يعمل بها ما بين 10 إلى 99 عاملاً، وما يزيد عن 99 تعد مشاريع كبيرة.

وتؤكد الدراسات والبحوث الاقتصادية إلى أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودورها المتعاظم في الاقتصاد الوطني سواء في البلاد المتقدمة أو النامية في ظل الحاجة المتزايدة لفرص العمل المنتجة.

وتشير بعض الإحصائيات إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل نحو 90% من إجمالي الشركات في معظم اقتصاديات العالم، كما أنها توفر ما بين 40 ـ 80 % من إجمالي فرص العمل، فعلى سبيل المثال تشكل هذه المشروعات 85% من إجمالي الناتج المحلي في المملكة المتحدة.

إن هذه المشاريع تمتاز بسهولة تأسيسها فهي لا تحتاج إلى رأس مال كبير أو تكنولوجيا متطورة، إضافة إلى قدرتها على الإنتاج والعمل في مجالات التنمية الصناعية والاقتصادية المختلفة.

وهي توفر فرصاً استثمارية بكلف منخفضة، وبعمالة متواضعة الشروط، ما يعزز امتصاص البطالة خاصةً في الدول النامية، والأهم هو نشرها القيم الصناعية الإيجابية في المجتمع من خلال تنمية وتطوير المهارات لبعض الحرف والمهارات، كما تؤسس لتقاليد عمل جيدة وتبني قيادات شابة.

ومن خلالها يتم استثمار مدخرات المواطنين والاستفادة منها في الميادين الاستثمارية بدلاً من صرفها في الأمور الاستهلاكية.

كذلك يتم استثمار المواد الأولية المحلية، وتغطية الطلب المحلي على الكثير من المنتجات، وهي تغذي الصناعات الكبيرة بالكثير من احتياجاتها وتوفر العملة الصعبة فبدلاً من استيراد بعض المواد أو المصنوعات، تقوم هذه المشاريع بتصنيعها محلياً فلا يتم استيرادها.

ولقد أولت قيادتنا الرشيدة، منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، المشاريع الصغيرة والمتوسطة ووضعت الكثير من القوانين والتشريعات لحمايتها والأخذ بيدها كي تساهم في تطور ونمو الدولة اقتصادياً واجتماعياً ومن ذلك القانون الاتحادي رقم 2 لسنة 2014 الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والخاص بالمشروعات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومؤسسة خليفة لتطوير المشاريع، وصندوق خليفة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ومؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى مؤسسات رعوية أخرى في الإمارات المختلفة، حتى أثمرت هذه الجهود فبلغ عدد هذه المشاريع 350 ألف شركة تمثل ما يزيد على 94% من إجمالي عدد الشركات العاملة في الدولة وتوفر اليوم فرص عمل لما يزيد على 86% من إجمالي القوى العاملة.

كما أن البرامج والسياسات الداعمة لهذه المشاريع لا تقتصر على جهود الدولة وحدها، فالمؤسسات الثقافية والاجتماعية وحتى السياحية بما تقيمه من معارض وبرامج تضع نصب أعينها الاستفادة من إمكانات وابتكارات وجهود هذه المؤسسات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تقام سنوياً العديد من المعارض التراثية ومعارض الفنون والحرف تتبناها المؤسسات الثقافية والاجتماعية، بما يشكل دعماً كبيراً لقطاع مهم من هذه المشاريع.

إن الشباب الإماراتي، من البنات والبنين، هم اليوم من رواد هذه المشاريع، وإقبالهم عليها يدلل على الوعي الاقتصادي والحضاري لهؤلاء الشباب، ورغبتهم في تطوير بلادنا اقتصادياً، ومتى ما انتعش الاقتصاد انتعشت الجوانب الأخرى، فلا بطالة ولا فراغ يؤدي بالشباب إلى ما يؤذيهم ويؤذي ذويهم.

إن النظرة الاجتماعية لتطور المشاريع الصغيرة والمتوسطة في بلادنا تلتقي مع النظرة الاقتصادية الثاقبة، والمردودات كبيرة ورائعة، والمستقبل واسع وعريض، والإمارات في الرقم واحد بجميع الميادين بعون الله.