* عوشة بنت حسين * بقلم الأستاذ ابراهيم بوملحه - 1994م

بقلم الأستاذ ابراهيم بوملحه - 1994م

 عوشة بنت حسين

كان يوما مؤلما  أحسست فيه بمرارة حين فاجأني خبروفاة السيدة الفاضلة الوالدة

"عوشه بنت حسين" رحمها الله وتغمدها بفضله ورضوانه، لقد كان كبرالحزن الذي شعرت به بقدرماكانت عوشه بنت حسين كبيرة في حبها وبين جيرانها وبقدركبر خدماتها التي كانت تسديها في مجتمعها،كانت رحمها الله ملء السمع والبصر، يرن اسمها رنيناً يتردد صداه في جنبات مجتمع إمارة دبي، لقد كانت مشهورة شهرةأوسع من أن تعرف فيكفي أن يذكر اسمها؛ لتعرف هذه السيدة بتلك الهالة النير ة من الذكر الحسن،ولتنطبع في الذهن صورتها الجميلة النابضة بأطيب المعاني التي يمكن أن يحملها الفكر ويستوحيها من واقعها الذي كانت تعيشه وتتفاعل معه في علاقاتها وصداقاتها وما تقدمه من خير لأبناء مجتمعها .

 كانت عوشه بنت حسين امرأة ودودة خيرة  تأسر بحسن خلقها وبشاشة محياها وجمال حديثها وطيب لقائها، بابها مفتوح ومائدتها ممدودة،كانت درة وضاءة في حيها، يعرفها الصغيروالكبيروالرجل واملرأة على حد سواء،وبقدر ما كانت تتمتع به من صفات اللين واللطف والكرم والتبسط وتألف القلوب حولها بقدر ما كانت مرهوبه لها جانب كبير من التقدير واإلحترام والخشية .

تعود بي الذكريات جميلة وحزينة في آن واحد حين كنا صغاراً نسبح في الغالّة  ، أونلعب على شاطئها كثيرا من ألعاب الصغر والطفولة، ويذكرني منظر الغالة، ذلك البيت العزيز الرابض على جانبها الجنوبي الفاتح أبوابه على سيفها ؛لتدخل إليه نسماتها المحملة برائحة البحر وعبق الياخ الصيادين تهب من الغالة، لتسري في جنبات بيت عوشه بنت حسين الذي يضج بناسه وزائريه، بروحي تلك الصورة الآسرة الحية في مخيلتي عن ذلك الزمن المثقل بذكريات الطفولة السعيدة، كنا نلعب أمام ذلك البيت وندخله ونخرج منه، وتُحدث  فيه من الضجيج والحركة والنبض والحياة ما يسعد عوشه بنت حسين، لله أنت من سيدة فاضلة لا زالت ذكريات صبانا مرتبطة بك وبكثيرمن تصرفاتك معنا، ما أن يلفظ اسمها حتى تتداعى إلى مخيلتنا كثير من ذكريات الزمن الطفولي الغابر الذي مر كنسمة صيف كما مرت حياتها كلمحة طيف عابر، أربع ذكريات تلازمن معاً ، ثم انتهين معاً كل واحدة منها تذكرنا  بالأخرى وتستدعي في الذهن زميلاتها، الغالة، وطفولتنا، وعوشه بنت حسين،والزينة المرأة الطاهرة التي كان لها ّ فضل تعليمنا كتاب الله، ولا تزال صورتها حي في ذهني إلى اليوم ومنظر الصبية وهم جالسون حولها ترتفع أصواتهم بالقرآن الكريم كدليل لها على اجتهادهم، فما أجمل تلك الذكريات التي تعّن على خواطرنا بين فينة وأخرى وأحيانا تبرك بثقلها على نفوسنا؛ لتثيربجمالها أوجاعنا وأحزاننا وتستدر دموعنا أسفاً وتحسفاً على مرورذلك الوقت الجميل من أعمارنا ولموت الأهل والأحبة الذين كان لهم من الفضل علينا ما يبقى ديناً كبيراً في أعناقنا إلى يوم أن نلقى الله لا نقدر على رد جزء من جميله ما حيينا، وعلى ردم تلك الحفرة الغالية المغموره بمياه البحر المعروفة

بالغالة التي لا يزال صوت خريرها حاضرا ينبض في أسماعنا؛ فيثيرفينا من الشوق ما لا نستطيع مقاومة جريانه في عروقنا يجرنا إلى ذلك الزمن الذي كنا فيه كالعصافيروالطيورالحائمة بلا همّ ولا كدر سوى المبالغة في اللعب واللهو الطفولي، فيا لتلك الذكريات المؤنسه الحالمة من منزلة رفيعة في نفوسنا وقدسية كبيرة نتلمس بركتها، تلك الذكريات الجميلة المحزنة التي يثيرها اسم "عوشه بنت حسين" كلما ذكر أمامنا، لقد كانت عوشه بنت حسين جزءًا من طفولتنا، تلك المرحلة التي ترتبط بكيان الإنسان وتلتصق أشياؤها وناسها ومعالم حياتها بذاكرته، وتنطبع في الذهن فلا يكاد ينسى شيئا من أدق تفاصيلها؛ وتتزاحم صورتلك المعالم الحية في ذاكرتنا؛ لترسم لوحة عالم قدسي لا نسمح لأحد أن يمس طهارته وبراءته، أو ينال منه بشيء، لذلك كله تبقى عوشه بنت حسين جزءًا من عالم طفولتنا ووردة من بستان ماضينا الذي عشنا في ظلال أشجاره وتفيأنا نسماته وأخذنا بسحره وجماله، فهل بعد ذلك من يلومنا في حب عوشه بنت حسين، تلك الغالية الراحلة من عالمنا المقيمة في أعماقنا ونفوسنا ما حيينا .