نجومٌ تهتدي بها الأجيال
تأملت أطفالنا وهم يركبون الباصات الصفر مع إشراقة كل صباح بحفظ الله ورعايته ذاهبين إلى رياضهم ومدارسهم، ودار بخلدي أن كل واحد منهم هو
قرة عين أمه وأبيه وبهذا القدر أو ذاك فهو قرة عين الوطن، وبذات الحلم الذي يدور في مخيلة والديه بأن يكون ولدهم مميزاً وذا شأن في الحياة، يكون حلم الوطن بنفس القوة والسعة والطموح...
ثم شغلتني تأملات أمومية أخرى غذتها خبرتي في المجتمع ودراساتي في علم الاجتماع، يا ترى من يحقق للأهل والوطن ذلك الحلم الجميل؟
البيت متمثلاً بالأم والأب والأخوة وربما الجدة أو الجد محطات أساسية وحواضن تربوية مهمة، ثم المدرسة ببنائها الصحي وبيئتها التربوية وإدارتها ومعلميها. والجميع يتفق على هذا، ولكن ما هي الحلقة الأقوى في تكوينه العلمي والثقافي؟
كلنا يتفق أنها (المعلم)، فمنذ سن السادسة من عمر الطفل حتى يبلغ الثامنة عشرة من عمره هو بين يدي المعلم من خلال المؤسسة التربوية، هذه السنوات الطويلة مرهون بها ومن خلالها استكمال ما بنته الأسرة ليكون الشاب أو الشابة في العلم والتربية والثقافة والوعي قرة عين أهله ووطنه بالفعل.
ويجمع علماء التربية على أن المؤسسة التربوية في عصرنا الحديث ترتكز بالأساس على (كفاءة المعلم) وهي من خلال المعلم تكون رؤى الفرد الإنسانية والأخلاقية والدينية، وتحدد مسار سلوكه ومسار قبول سلوك غيره، وهي التي تشكل عقل الفرد مادةً ومنهجاً ورؤاه الفكرية ومواقفه العملية ومآله المهني ومستوى قدراته العملية.
وكما أن الأسرة تشكل وتبلور الذات الفردية للطفل فإن المدرسة تشكل له عقله الجمعي، ومن هنا يأتي أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسة التعليمية ومرتكزها الأساس (المعلم) فهو جوهر البناء، وهو الأب الثاني كما يطلق عليه البعض.
وأعود إلى ما بدأت به من أن الطفل هو قرة عين أبويه، وفي دولتنا الإمارات هو قرة عين الوطن.
ففي استراتيجيات الدولة وخططها وبرامجها يبرز الاهتمام جلياً بكل المعايير التي تساهم في بناء الإنسان منذ الطفولة حتى يكتمل من خلال الاهتمام بالمؤسسات التربوية وبكل ما تحتاجه هذه المؤسسات مادياً ومعنوياً، ويوماً بعد يوم تجري تقييمات وتتخذ خطوات للإسراع في جعل نظام التعليم في دولة الإمارات من الأنظمة الأولى في العالم.
الجهود تتسارع مدعومة بإرادة قوية من أصحاب القرار، وهذا ما حدا بي أن أكتب ليكون المعلم هو المرتكز الذي يعول عليه صاحب القرار فلا قيمة للمدرسة والسبورة الحديثة والمنهج العلمي المدروس مالم يكن المعلم نموذجاً في عطائه مدركاً لدوره، محباً لمهنته، مرتاحاً نفسياً ومعاشياً وكل فكره ينصب على الهدف الأسمى هو البناء العلمي والتربوي الصحيح لطلابه.
ألم يقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حفظه الله ورعاه:«كل معلم ٍ هو نجم.. نجم في سماء مجتمعنا ونجم تهتدي به الأجيال.. ونجم يعم خيره على الجميع».
وما مبادرة سموه بمنح أفخم جائزة لأفضل معلم على مستوى العالم والتي جرت منتصف الشهر الماضي إلا إدراكاً من سموه لأهمية الدور الذي يقوم به المعلم في تربية الأجيال وتحصينهم ورسم الطريق الصحيح لتحقيق تطلعاتهم وتنمية مواهبهم وتحفيزهم للوصول إلى أعلى درجات العلم وشحن هممهم في الاستزادة من الثقافة ومطالعة الكتب المفيدة.
يدرك سموه أن بناء الإنسان يشترك فيه اثنان أساسيان وقد يتفاوتان بالدرجة من عمرٍ إلى آخر، وهذان الأساسيان هما الأم والمعلم.
ولابد للمعلم أن يكون قدوة ً للطالب، وها هو يستنفر كل الجهود الوطنية والعربية وحتى العالمية كي يلقي الضوء على معلمين ومعلمات يشكلون القدوة أمام طلابهم وأمام غيرهم من المعلمين.
وتقدم من كل العالم الآلاف لنيل هذه الجائزة الرفيعة المستوى، وبرز منهم عشرة متميزين ومن بين العشرة فازت المعلمة البريطانية أندريا رافيراكو.
ليتني أكتب كل يومٍ عن المعلم ذلك النجم الذي تهتدي به الأجيال.