سجلت إمارة أبو ظبي خلال الـ 42 عاماً الماضية قفزات تنموية حضارية، نقلتها من منطقة تخلو من الخدمات الأساسية ويلوذ أهلها بصناعة وتجارة اللؤلؤ وحياة بسيطة تعتمد على ما يجود به البحر، إلى واحدة من أهم المراكز الاقتصادية في المنطقة، بفضل الرؤية السديدة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ومن بعده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.
نقاط التحول
لم يكن التحول الحضاري النوعي في أبوظبي محصوراً باكتشافات النفط الذي مهد لطفرة تنموية هائلة في شتى مجالات الحياة بالإمارة وحسب، بل كانت الإدارة الحكيمة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان نقطة التحول الحقيقية لاقتصاد الإمارة والحياة فيها بشكل عام، إذ حرص على تسخير عائدات النفط لصالح عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لضمان الحياة الكريمة للمواطنين ورفاهيتهم.
وتنعم أبو ظبي اليوم بنقطة التحول الحضارية النوعية الثانية، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وحكمته التي تتجلى في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، بالاعتماد على القطاعات غير النفطية، وفق محددات وأهداف رؤية أبو ظبي الاقتصادية 2030.
تنمية شاملة
يشير تقرير أصدرته دائرة التنمية الاقتصادية في أبو ظبي بمناسبة اليوم الوطني الـ 42 للدولة، إلى أن حكومة الإمارة أولت أهمية كبيرة لتوفير مستوى عالٍ من الخدمات العامة في قطاعات الصحة والتعليم والإسكان والماء والكهرباء وتنمية المجتمع والموارد البشرية المواطنة. ونفذت استراتيجيات متعددة لتأسيس نظام تعليمي متطور ومتقدم، يواكب تطورات العصر وتقنيات المعرفة المتقدمة.
ومن أهم أسباب نجاح مسيرة التنمية الشاملة في إمارة أبو ظبي خلال العقود الماضية، اهتمامها قبل أي شيء بالإنسان المواطن، بوصفه وسيلة التنمية وغايتها، واستطاعت بجهود جادة تحقيق قفزات نوعية كبرى، قلما نجد لها نظيراً عالمياً في مجالات التعليم والصحة، ومنجزات ضخمة على مستوى استكمال البنى التحتية الأساسية.
العيش الكريم
يقول التقرير إن حكومة أبو ظبي، ومنذ عهد المغفور له الشيخ زايد، وانطلاقاً من رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وفرت السكن الملائم ومقومات العيش الكريم لكل أسرة مواطنة، حيث تنفذ حكومة أبو ظبي برنامجاً طموحاً في مجال إسكان المواطنين، والذي يمثل نموذجاً فريداً من نوعه على مستوى المنطقة في اعتماد مبدأ الاستدامة في تحقيق التنمية الحضرية..
وكل ذلك من أجل العمل على الحفاظ على استقرار الأسر المواطنة، وتوفير الحياة الكريمة لهم. وحظيت تلك المشاريع بالنصيب الأكبر من المخصصات المالية في الموازنات العامة التي اعتمدها المجلس التنفيذي في السنوات الأخيرة، تحقيقاً لأولويات الحكومة الرشيدة، ممثلة بتحقيق الاستقرار الأسري والتلاحم الاجتماعي.
ولتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين، في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وإن كان بشكل نسبي خلال العامين الماضيين، لم تدخر حكومة إمارة أبو ظبي جهداً في سبيل تلبية تطلعاتهم وطموحاتهم في العيش الكريم والحياة المستقرة، عبر توفير خيارات سكن متنوعة، منها المساكن الجاهزة ضمن مجمعات سكنية متكاملة، وتوفير الأراضي السكنية لمن يملك القدرة على البناء، فضلاً عن منح قروض ميسرة بدون فوائد.
تطور التعليم
شهدت مسيرة التعليم طفرات متلاحقة، بوصفها عنصراً رئيساً في التنمية البشرية، ووصل عدد المدارس الحكومية والخاصة 451 في 2011/2012، تضم 311 ألف طالب وطالبة، وزاد عدد الجامعات ومؤسسات التعليم العالي (بينها جامعات عالمية كجامعة باريس السوربون أبو ظبي ونيويورك) في 2010/2011 إلى 31، صعوداً من جامعة واحدة في عام 1977، اسمها جامعة الإمارات في مدينة العين.
وارتفع الإنفاق على التعليم إلى أكثر من 9.864 مليارات درهم في 2009، ما رفع مستوى نوعية الخدمات التعليمية. وشهدت الخدمات الصحية توسعاً كبيراً، إذ عملت حكومة أبو ظبي على توفير خدمات صحية عالية المستوى، وتطبيق أفضل الممارسات العالمية في الخدمات العلاجية والوقائية، ووطدت العلاقات مع المنظمات الصحية العالمية والهيئات العلمية المتخصصة والمرموقة الدولية..
بالإضافة إلى وضع آليات لتبادل الخبرات الطبية والبحثية، وصولاً إلى تطوير الخدمات الصحية وفق أفضل المعايير العالمية. وبلغت اعتمادات الخدمات الصحية 2.644 مليار درهم في 2009، فيما بلغ عدد المستشفيات 35 مستشفى حكومياً وخاصاً، و494 مركزاً صحياً حتى 2011.
وأعلنت حكومة أبو ظبي رصد 330 مليار درهم ما بين 2013 حتى 2017 لتمويل مشاريع تنموية في إمارة أبو ظبي لدعم الاقتصاد العام للإمارة، وتوفير الخدمات الضرورية للمواطنين، وأولت الخطط التنموية المعلن عنها اهتماماً خاصاً لتوفير الوظائف المناسبة لأبناء الدولة، إذ اعتمد المجلس التنفيذي للإمارة المخصصات المالية لتوفير أكثر من خمسة آلاف وظيفة خلال سنة 2013، بما يسهم في رفع كفاءة معدلات الأداء العام.
وشهدت الإمارات حركة كثيفة غير مسبوقة في قطاع البناء والتشييد، تعد الأسرع في منطقة الشرق الأوسط والعالم، من حيث النمو والازدهار، وتستمر الأعمال الإنشائية بشكل كبير ونوعي لتحاكي النهضة الاقتصادية والعمرانية التي تشهدها الإمارات، حيث ساهم نشاط التشييد والبناء بنسبة 9.6 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2012. ومن أبرز معالم البنية التحتية، نفق الشيخ زايد الذي افتتح بقيمة 4.8 مليارات درهم في 2012، بعد خمس سنوات من العمل، ليستوعب 7 آلاف إلى 8 آلاف مركبة في الساعة.
بيئة جاذبة
ويعد إصدار قانون مركز أبو ظبي المالي العالمي خطوة كبيرة للإمارة من أجل الترويج لها كسوق عالمي رائد، ولتطوير اقتصاد الإمارة وتعزيز البيئة الاقتصادية لجذب الاستثمارات المالية والإسهام بشكل فعال في مجال الخدمات المالية الدولية.
وأولت حكومة إمارة أبو ظبي اهتماماً كبيراً بالنشاط السياحي لأهميته في النمو الاقتصادي المستدام على المدى الطويل، وبلغ عدد المنشآت الفندقية 130 في 2012، توفر نحو 22 ألف غرفة فندقية.
وأطلقت حكومة أبو ظبي مشاريع تطويرية ضخمة، من شأنها تغيير معالم الإمارة، تناغماً مع رؤيتها الاقتصادية 2030، وتهدف المشاريع إلى تعزيز موقع الإمارة في مختلف المجالات والقطاعات، وتعزيز موقع الإمارة في مختلف القطاعات الثقافية والبيئية السياحية والرياضية.
ومن أهم المشاريع التطويرية، جزيرة السعديات، وتشكل وجهة سياحية من الطراز الأول، تضم مجموعة كاملة من المرافق الثقافية، من خلال إنشاء سلسلة من المتاحف العالمية، من أبرزها اللوفر، بالإضافة إلى مرافق مدنية ومنشآت ترفيهية، وتتألف الجزيرة من سبع مناطق مختلفة، تشمل المنطقة الثقافية وشاطئ السعديات ومارينا السعديات ومحمية السعديات وجادة السعديات ولجونز السعديات ومنتجع السعديات.
وتم حتى الآن إنجاز المرحلة الأولى من مشروع جزيرة ياس، والذي يضم حلبة سباق تمتد على مسافة 5.55 كلم ويوفر المشروع 500 غرفة فندقية فئة خمسة نجوم على امتداد مسار السباق، وجائزة الاتحاد للطيران الكبرى للفورمولا ..
كما شملت المرحلة تطوير مرسى ياس، وسبعة فنادق وعالم فيراري أبو ظبي الذي يعتبر أكبر مدينة ترفيهية مسقوفة في العالم، وحديقة ألعاب مائية، وستضم الجزيرة المزيد من المدن الترفيهية، إلى جانب العديد من المتاجر وملعب ياس لنكس، والذي يعتبر الأول من نوعه في المنطقة
. وتعد جزيرة الماريا أحد أهم العناصر الاستراتيجية في خطة أبو ظبي 2030، ويهدف مشروع تطوير الجزيرة إلى جعلها مركز الأعمال المركزي الجديد في أبوظبي. ومن أهم الإنجازات في هذه المرحلة سوق أبو ظبي للأوراق المالية، وفندق روزوود أبو ظبي وفندق فورسيزونز أبو ظبي وفندق فايسروي أبو ظبي ومستشفى كليفلاند كلينيك أبوظبي.
إسكان وقروض
أشار التقرير إلى تخصيص ما يقارب 68 ألف قطعة أرضية سكنية للمواطنين، بتوجيهات صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، في الفترة ما بين 2005 و2012، ووصل إجمالي القروض التي منحت للمواطنين لتمويل المشاريع السكنية ما بين 1991 و2012 أكثر من 39 مليار درهم..
واعتمدت حكومة أبو ظبي مؤخراً دفعة جديدة من قروض الإسكان للمواطنين في إمارة أبو ظبي، وعددهم 1554 مستفيداً، بقيمة 3.108 مليارات درهم، حرصاً من القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة رئيس الدولة، حفظه الله، على تحقيق التنمية المتوازنة في كافة أنحاء الإمارة، بالتكامل مع المشاريع التطويرية التي تشهدها مختلف المدن والمناطق، وما يترتب عليه من أولويات على المستوى الاجتماعي.
نهضة صناعية عملاقة ومشاريع كبرى للطاقة المستدامة
حقق القطاع الصناعي نهضة كبيرة، تمثلت بزيادة عدد المنشآت الصناعية، فضلاً عن دخول الإمارة في مشاريع صناعية كبرى مشتركة مع العديد من المؤسسات العالمية، وإقامة مناطق صناعية ضخمة لجذب الاستثمارات في القطاع الصناعي، ما ساهم في لعب دور محوري في تنفيذ الاستراتيجيات التي اعتمدتها الإمارة للتنويع الاقتصادي، وتطوير القاعدة الاقتصادية والإنتاجية، وتنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل القومي.
مساهمة
وبلغت مساهمة الصناعات التحويلية نحو 5 % من إجمالي الناتج المحلي لإمارة أبو ظبي في 2011، فيما شهدت القيمة المضافة لهذه الصناعة خلال السنوات الخمس الأخيرة ارتفاعاً مسجلاً 32.9 مليار درهم في 2006، ثم 40.5 مليار درهم في 2011 ، بمعدل متوسط نمو سنوي بلغ 4.2،% ما بين 200/2011.
وبلغ معدل نمو القيمة المضافة للنشاط نحو 22 % في 2011، وشهد إجمالي تكوين رأس المال الثابت في نشاط الصناعات التحويلية ارتفاعاً من 9.6 مليارات درهم في 2006 إلى 34.4 مليار درهم في 2011، بمتوسط نمو سنوي 29 % خلال هذه الفترة، ما يوضح حجم الطفرة الاستثمارية، تم إنشاء العديد من الصناعات العملاقة، من أهمها مصنع إيمال لإنتاج الألمنيوم، وشركة ستراتا لإنتاج مكونات هياكل الطائرات..
وفي ما يتعلق بالصناعات الاستخراجية، فهي العمود الفقري لاقتصاد أبو ظبي، وأحد أهم مكونات الدخل القومي للإمارة، إذ يجري استخدام الإيرادات النفطية في إنشاء مشروعات البنية التحتية، وكذلك العديد من الصناعات الوطنية العملاقة. وبلغت مساهمة الصناعة الاستخراجية في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة أبو ظبي نحو 58.5 % في 2011، نتيجة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وارتفاع إنتاج الإمارة من النفط، فقد ارتفع متوسط سعر النفط من منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" من 77.45 دولاراً للبرميل في 2010 إلى 107.46 دولارات في 2011.
وحققت القيمة المضافة لنشاط الصناعة الاستخراجية إرتفاعاً كبيراً، إذ بلغت 471.8 مليار درهم في 2011، في حين بلغت نحو 291.5 مليار درهم في 2006، بمتوسط نمو 10.1 % ما بين 2006/2011. وبلغ معدل نمو القيمة المضافة للنشاط نحو53 % في 2011، بسبب زيادة ارتفاع أسعار النفط، وزيادة الإنتاج. وتحظى إمارة أبو ظبي بالعديد من المناطق الصناعية..
وهي "ايكاد 1" للصناعات الثقيلة والمتوسطة والصناعات الهندسية والتكميلية، ومدينة أبو ظبي الصناعية الثانية "ايكاد 2" للصناعات الخفيفة والمتوسطة والصناعات الهندسية والتكميلية، ومدينة أبو ظبي الصناعية الثالثة "ايكاد 3" للصناعات الخفيفة والمتوسطة. وفي المستقبل القريب مدينة أبو ظبي الصناعية الرابعة "ايكاد 4" للصناعات التكنولوجية والصناعات الخفيفة، ومدينة أبو ظبي الصناعية الخامسة المخصصة لصناعة السيارات.
وتوجهت حكومة أبو ظبي لتلبية الاحتياجات من الطاقة، عبر وضع خطط طموحة من أجل التنمية المستدامة، وسعت إلى تطوير مصادر تقنية جديدة، كالطاقة الشمسية، فأسست شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، بهدف جعل الإمارة مركزاً عالمياً لطاقة المستقبل، ومقراً إقليمياً لتصدير التكنولوجيا.
ويبدو جلياً النمو المتسارع في جميع المجالات بشكل مستدام، فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنسبة 5.6 % في 2012، وشهد قطاع الأنشطة النفطية ارتفاعاً بنسبة 6.2 %، وارتفعت الأنشطة غير النفطية بنسبة 9.6 % بالأسعار الجارية في 2012، وبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 390 ألف درهم في نفس العام.
وارتفع تكوين رأس المال الثابت الإجمالي بنسبة 5.3 % ليصل 172.7 مليار درهم في 2012. كما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية في عام 2012 بنسبة 7.7 %، على خلفية نمو الأنشطة غير النفطية، والتي بلغت ما نسبته 9.6%، ونال قطاع التشييد والبناء والصناعات التحويلية وتجارة التجزئة، النصيب الأكبر من الزيادة، وهذا يؤكد على قوة الاقتصاد وصلابته.
وتقوم حكومة أبو ظبي بتنفيذ خطة طويلة المدى لتسهيل عملية التحول الاقتصادي للإمارة، وخلق بيئة أعمال مثالية للحد من الاعتماد على قطاع النفط، والتركيز على الاقتصاد القائم على المعرفة، وسهلت حكومة أبو ظبي ممارسة الأعمال في مختلف المجالات، لجعل اقتصادها منسجماً مع الاقتصاد العالمي، وبلغ عدد المنشآت التي تمت إعادة تسجيلها في عام 2012 نحو سبعة آلاف منشأة.
واهتمت أبو ظبي بالصناعات التحويلية، حيث تولي خطة التنمية الاقتصادية طويلة الأمد، عناية خاصة للقطاع للمساهمة في تنمية الاقتصاد غير النفطي، وساهم القطاع بـ 5.9 % في الناتج المحلي الإجمالي، و13.4 % في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في عام 2012.