عندما يذكر الكرم العربي تذكر شواهده، فيذكر حاتم الطائي الذي ذبح فرسه الوحيد عند المجاعة ليطعم قومه، ويذكر الخليفة عمر بن عبدالعزيز الذي لم يبق في ظل دولته فقير أو جائع، وتذكر السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد التي كانت تغدق الأموال على الأدباء والعلماء وقيل إن الراتب الشهري الذي خصصته للطبيب جبريل كان خمسين ألف درهم، كما أمرت بحفر الآبار على طول الطريق بين بغداد ومكة لسقي حجاج بيت الله الحرام، ومنها عين زبيدة في مكة المكرمة التي تحدت فيها ما قاله المهندسون من صعوبات تواجه حفر القنوات بين صخور الجبال فقالت احفروها حتى لو تكلفت كل ضربة فأسٍ ديناراً.
والدول كالأشخاص فيها الكريم وفيها البخيل، وحين تذكر دولة الإمارات يقترن اسمها بالخير، ولا غرابة فهي الدولة التي أسسها الشيخ زايد طيّب الله ثراه على مبادئ الخير حتى صار اسمه (زايد الخير)، وبقي الخير مقروناً بها فبعد زايد استمر خير الإمارات على من فيها ومن هم خارجها ولم تتوقف يد الخير بوفاته فقادة الإمارات ساروا على نهج زايد الخير، حتى بلغت دولة الإمارات الدولة رقم واحد في مساعدة الشعوب الفقيرة والمنكوبة جراء الكوارث الطبيعية أو الحروب.
ولم تتحدد صفة الكرم على من ذكرنا فشعب الإمارات شعب كريم يسعى للخير متى وجد في ذلك مشروعيةً للعمل الإنساني، ولهذا انتشرت الجمعيات الخيرية وكثر المتبرعون والمتطوعون لخدمتها، وليس التطوع إلا من أرفع سمات الكرم لأنه كرم الإنسان بوقته وجهده من دون مقابل.
إن ما تقدمه دولة الإمارات من مساعدات إنسانية أفق عال للخير، وهو مجال واسع لا يحتاج إلا الثناء.
لكن ما يقدمه الأفراد من تبرعات يحتاج إلى تقييم سواء كان على شكل وقف أو تبرع آني أو متقطع.
والملاحظ على التبرعات الوقفية أنها في الغالب تقتصر على بناء جامع وفقاً للتفسير الشرعي للوقف، أما الهبات الأخرى فهي آنية أو متقطعة فأثرها محدود في بناء التنمية المستدامة التي نحتاجها اليوم.
ولعل ما نسعى له هو توظيف هذه الهبات في أوقاف تساهم في عملية البناء التنموي ومسارات التقدم للمجتمع والأجيال القادمة.
ولذلك جاء قانون تنظيم الوقف والهبات في دبي الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ليعكس النظرة الحديثة للوقف باعتبار أن الوقف أداة تنموية لتطوير المجتمعات، وأن يسعى الموسرون ورجال الأعمال إلى إيجاد أوقاف بصيغ معاصرة تخدم الأغراض التنموية والتنمية المستدامة مثل: وقف يمول بحوثاً علمية وطبية، وقف يمول برامج ثقافية وبيئية، وقف يدعم حاضنات الأعمال والمشاريع الشبابية.
وربما هناك مجالات أخرى للوقف كبناء المدارس والمستشفيات والمكتبات تموّل من خلال وقف يساهم فيه شخص واحد أو مجموعة أشخاص يبقى يحمل اسمهم على مدى الزمان ويظل ريعه متدفقاً لخدمة العلم والثقافة والصحة والتعليم.
ولي شاهد على وقف ثقافي وثقه الشاعر معروف الرصافي، فقصيدته التي أنشدها عند افتتاح مكتبة الأوقاف ببغداد عام 1927 م بقيت تخلد تلك المناسبة على مر الأجيال، ومما جاء فيها:
«للمسلمين على نزورة وفرهم
كنزٌ يفيض غنىً من الأوقافِ
كنزٌ لو استشفوا به من دائهم
لتوجّروا منه الدواء الشافي
ولو ابتغوا للنشء فيه ثقافةً
لتـثـقـفـوا منـــه بخير ثقافِ..»
أتمنى أن يبقى وطني الإمارات وحكومتنا الرشيدة وشعبنا منبعاً للخير والعطاء، لأهلنا والمقيمين على أرضنا وللعرب والإنسانية جمعاء.